12- ومنهم الملائكة السياحون، الذين يتتبعون مجالس الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم... كما في الحديث، وفي قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المشهور: وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله... إلى قوله: وحفتهم الملائكة . الحديث رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وغيرهم من الملائكة الكرام -عليهم السلام- ممن لم يطلعنا الله ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم- على وظائفهم، فيجب علينا أن نؤمن بهم على وجه الإجمال، ونؤمن بمن ذكرنا أسماءهم على وجه التفصيل.
وجميعهم: عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء: 26 ، 27]. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20]. لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6].
الركن الثالث: الإيمان بالكتب
يعني: الإيمان بكتب الله التي أنزلها على رسله. والكتب: جمع كتاب، وهو يدل على معنى الجمع والضم، ومنه سميت الكتيبة بذلك.
والمراد بها هنا: الكتب التي أنزلها الله على رسله ليبلغوها للناس، وقد تكلم الله بها حقيقة، فيجب الإيمان بما سمى الله منها على وجه التفصيل، وهي صحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور والقرآن.
ويجب الإيمان بما لم يسم الله منها على وجه الإجمال.
وكذلك يجب الإيمان بالرسل الذي أنزلت معهم هذه الكتب، وهم كالتالي:
1- إبراهيم - عليه الصلاة والسلام- وقد أنزلت عليه الصحف العشر الأولى.
2- موسى - عليه الصلاة والسلام- وقد أنزلت عليه التوراة.
3- عيسى - عليه الصلاة والسلام- وقد أنزل عليه الإنجيل.
4- داود - عليه الصلاة والسلام- وقد أنزل عليه الزبور.
5- محمد - صلى الله عليه وسلم- وقد أنزل عليه القرآن الكريم.
الركن الرابع: الإيمان بالرسل:
أي: الإيمان بأن الله تعالى أرسل رسلا إلى الناس وأنزل معهم الشرائع وفرض طاعتهم والتصديق بما جاءوا به من الحق، وأنزل عليهم الكتب وهي من كلامه سبحانه وتعالى.
فيجب الإيمان بهم على وجه الإجمال، والإيمان بمن سمى الله منهم على وجه التفصيل، وقد ذكر الله تعالى منهم في القرآن الكريم خمسة وعشرين فردا، وورد في السنة أن عدد الرسل ثلاثمائة وبضعة عشر، وأن عدد الأنبياء يزيد على العشرين ألفا، كما ورد ذلك في حديث .
ويجب الإيمان بأن كل نبي ورسول كان يبعث إلى قومه خاصة، وأن نبينا محمدا -صلى الله عليه وسلم- بعث إلى الناس عامة، لقوله -صلى الله عليه وسلم- وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة وقال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف: 158]. الآية، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [سبأ: 28].
ويجب الإيمان بأنه -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين لقوله تعالى: وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40]. وغيرها من الآيات، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- أنا خاتم النبيين وفي لفظ: جئت فختمت الأنبياء .
وكما نؤمن بأنه خاتم النبيين فإننا نؤمن بأن شريعته خاتمة الشرائع، وأن دينه خاتم الأديان، وبه نسخت جميع الأديان، ولا يقبل الله من أحد دينا إلا دينه، قال تعالى: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: 3]. وقال: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85].
وكذا القرآن الكريم، إن الله أنزله مهيمنا على الكتب السابقة، قال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة: 48]. الآية.
ويجب الإيمان بأن الأنبياء والمرسلين -عليهم صلوات الله وسلامه- كغيرهم من سائر البشر، يعتريهم ما يعتري البشر من الأمراض والشهوات، وأنهم يتزوجون، ويأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، وأنهم لا يعلمون الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن: 26، 27].
وغير ذلك من الأمور المعروفة.
الركن الخامس: الإيمان بالبعث
البعث في اللغة: هو الإثارة والتحريك.
وفي الاصطلاح: هو إخراج الناس من قبورهم أحياء يوم القيامة للقضاء والجزاء.
ولم يقل المؤلف -رحمه الله تعالى- (الإيمان باليوم الآخر)، كما ورد في الحديث؛ وذلك -والله أعلم- لأن اليوم الآخر قد يقر به بعض الناس مع عدم إقراره بالبعث الحقيقي للأجساد بعد الموت، كبعض الفلاسفة؛ حيث إنهم يؤمنون باليوم الآخر، ولكنهم لا يقرون بالبعث الحقيقي الذي هو بعث الأجساد وحشرها ونشرها؛ لأنهم يزعمون أن البعث والجزاء والحساب يكون على الأرواح فحسب، وأن الأجساد لا تبعث مرة أخرى؛ لأنها قد بليت.
فيجب الإيمان والتصديق الجازم بأن الله يبعث الناس من قبورهم أحياء يوم القيامة، ليجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، أو يعفو عنه -سبحانه وتعالى- وسيأتي تفصيل ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
الركن السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره
القدر: لغة: هو الإحاطة بمقادير الأمور.
واصطلاحا: هو علم الله تعالى بمقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم إيجادها.
فيجب الإقرار والتصديق الجازم بعلم الله الأزلي الشامل لكل ما كان ويكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.
فهو سبحانه العليم الذي شمل علمه الغيب والشهادة، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض.
وهو الحكيم الذي يحكم الأمور ويتقنها، ويضع الأمور في مواضعها، قال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان: 2].
وسيأتينا الكلام مفصلا عن القدر، وعن مراتب القدر عند قول المؤلف -رحمه الله تعالى- (وتؤمن الفرقة الناجية -أهل السنة والجماعة- بالقدر خيره وشره، والإيمان بالقدر على درجتين...) إلى آخر كلامه رحمه الله.
فهذه الأركان الستة -وهي أركان الإيمان- من الأمور الغيبية التي يجب على المؤمن أن يعتقد وجودها، ويقر بها إقرارا كاملا، ومن أنكرها أو أنكر واحدا منها فهو كافر بالله العظيم، قال تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [النساء: 136].
والبحث في ذلك معرفة وتفصيلا يسمى بعلم العقائد، فمنه ما يتعلق بالتوحيد بأنواعه الثلاثة، ومنه ما يتعلق بالشرك وأنواعه الثلاثة، ومنه البحث فيما يتعلق باليوم الآخر وتفاصيله؛ لأنه من الأمور الغيبية، ومنه البحث في أخبار الأمم السابقة، يعني: معرفة ما أخبر الله به وأخبر به رسله عن الأمم السابقة، ودعوة رسلهم لهم وما حل بهم من العذاب لعصيانهم وتكذيبهم.
فهذه الأمور مما لا يعلمها إلا الله، فإذا جاءت في الكتاب والسنة فيجب علينا التصديق بها، فصارت من العقائد الغيبية، وكذلك معرفة أركان الإيمان الستة التي مضى الكلام عليها، وهكذا كلام العلماء -رحمهم الله- في القرآن، وأنه كلام الله... إلخ، كل ذلك داخل في العقائد، وقد سمي بعلم العقائد؛ لأنه مما يعقد عليه القلب، فيثبت فيه ولا يتزعزع؛ لأن العقد هو الشد والإحكام والربط.
ثم ركز الأئمة في تصانيفهم في العقائد على الصفات- صفات الله سبحانه- وذلك لكثرة الخلاف فيها، وإن كان قد حصل الخلاف في غيرها مما ذكرناه أو لم نذكره، فوقع الخلاف في البعث بعد الموت مع الفلاسفة، ووقع الخلاف في الأسماء والصفات مع المعتزلة والجهمية والأشاعرة ونحوهم.
وسيأتينا تفصيل ذلك فيما يلي.